اخبار المدونة

الجمعة، 3 يونيو 2011

الخوف كالفيروس الذى لا يستطيع العيش بعيداً عن العقول





بدا المشهد طبيعياً تماماً .. جاموسه وحشيه صغنتوته ترعى على حافة البحيره يتربص بها ستة أسود جائعه .. يهجم الأسود على الجاموسه بشكل مباغت يشل حركتها لتصبح رقبتها فى خلال ثوانى معدوده بين فكى أحد الأسود و ليصبح فكها نفسه بين فكى أسد آخر مما يقلل من فرص نجاتها أكثر .. فهى إن نجت من الموت عن طريق تمزيق أوردة الرقبه لن تنجو من الموت عن طريق الإختناق و عدم القدره على التنفس .. و هكذا أصبح كل ما يتبقى أمامك كمشاهد هو متابعة ما يحدث إنتظاراً للحظه التى تتوقف فيها الجاموسه الوحشيه عن الفلفصه لتبدأ الأسود بعدها فى تناول وجبتها الدمويه .. و ليلبى كل حيوان فى الغابه نداء الطبيعه الذى خلق ليؤديه و الذى إعتدنا منه على أن الأسد خلق ليأكل الجاموسه .. و على أن الجاموسه خلقت ليأكلها الأسد !
ظل المشهد طبيعياً حتى بعد خروج تمساح ضخم من الماء جاء هو الآخر ملبياً نداء الطبيعه و شادداً  الجاموسه الصغيره من ذيلها إلى الماء ومحاولاً إختطاف الفريسه من الستة أسود التى تمسك بها .. و على الرغم من غرائبية و عجائبية وقسوة المشهد إلا أنه ظل طبيعياً تماماً حتى تلك اللحظه .. جاموسه وحشيه صغيره أوقعها حظها السىء بين شقى رحى  ستة أسود على البر يقبضون بأفكاكهم على رقبتها و رأسها .. و تمساح فى الماء يقبض بفكه الضخم على أسفل ظهرها صراع قاسى لا تملك معه سوى إنتظار معرفة من سوف يظفر بالفريسه فى النهايه .. الأسود ولا التمساح
إستمرت لعبة شد الحبل تلك لعدة ثوانى أخرى إستطاعت الأسود بعدها حسم الصراع لصالحها و انتزاع الجاموسه من بين فكى التمساح ليعود إلى الماء كمن أدى مهمته الموكله إليه و المتمثله فى تأخير الأسود شويه حتى حدوث شىء ما لا يعلمه أحد حتى تلك اللحظه !
و فجأه .. و بينما تتأهب الأسود لتناول وجبتها يحدث ما لم يكن أحد يتوقعه و ما لم تكن الأسود تتوقعه و ما لم تكن الجاموسه الوحشيه الصغنتوته نفسها تتوقعه و ما لا يتفق مع قوانين الطبيعه التى نعرفها جميعاً .. تهدر الأرض تحت وطأة حوافر كثيره لقطيع ضخم من الجاموس الوحشى جاء مقرراً إنقاذ تلك الجاموسه الصغنتوته من بين أنياب و مخالب الأسود الغشيمه .. تنطلق جاموسه شجاعه لتنطح أحد الأسود .. تتشجع بعدها جاموسه أخرى فتنضم إليها لتطيح بأسد آخر فى الهواء .. تفلت الأسود الباقيه الجاموسه الوحشيه لتنطلق أمام أعيننا و تنضم إلى باقى القطيع بدون أن يمسسها سوء .. و على الرغم من أن إنتهاء المشهد على مثل ذلك النحو فى حد ذاته يعد عجائبياً تماماً .. إلا أن قطيع الجاموس قرر أن يدهشنا أكثر فأخذ فى مطاردة و مهاجمة الأسود بحيث أصبح الأسد الذى كان منذ بضع دقائق فقط عامل فيها ميت راجل فى بعض أشبه بأرنب مذعور تتقاذفه نطحات الجاموس الغاضب إلى أعلى ليهبط إلى الأرض أكثر ذعراً و ارتعاباً و رغبةً فى الهرب !
كانت تلك هى تفاصيل الفيلم الوثائقى البسيط صاحب نسبة المشاهده الأعلى على اليوتيوب فى أواخر العام المنصرم .. و الذى تحدث عنه أحد مصورى قناة ناشيونال جيوجرافيك على مثل ذلك النحو : "لقد قضيت عشرين سنه من حياتى أراقب و أصور الحياه البريه من شتى بقاع الأرض و لكنى للأسف لم أحظى بالتواجد فى موقع الحدث فى تلك اللحظه المثاليه العبقريه .. و لكن المهم أننا قد شاهدناها " .. ذلك الفيلم تم تصويره بكاميرا عاديه لسائح شاءت له الأقدار أن يتواجد فى هذا المكان بالذات فى ذلك الوقت بالذات لمشاهدة ذلك الكسر لموازين القوه و الطبيعه التى كبرنا و نحن نظن أنها هى الحقيقه النهائيه .. شاءت له الأقدار أن يتواجد فى تلك اللحظه بالذات لإيصال رساله سماويه إلى أهل الكوكب مفادها أنه Impossible is Nothing و أنه ليس هناك مستحيلاً على ذلك الكوكب الملعب سوى فى خيالاتنا فقط .. أما على أرض الواقع .. فليس سوى أن تريد ..
ما الذى دار فى دماغ قطيع الجاموس البرى الذى قرر الهجوم على الأسود؟! لم يدر فى دماغه أى شىء لسبب بسيط جداً  أن أفراده لا يمتلكون عقلاً .. كل ما حدث لذلك القطيع هو الإصابه بحاله مؤقته من التخلص من الخوف دفعتهم إلى الثوره على قانون الغابه الأزلى .. و نطح الأسود !
ما الذى أصاب الأسود ليجعلهم يتراجعون أمام هجوم قطيع الجاموس على الرغم من أنه جرى العرف على أن القطيع هو من ينبغى أن يهرب من أمام الأسود؟! أصاب الأسود عكس ما أصاب قطيع الجاموس .. أصابتهم حاله مؤقته من الشعور بالخوف دفعتهم إلى نسيان قانون الغابه و الهرب كالأرانب المذعوره !
هل تظل تلك الحاله المؤقته من التخلص من الخوف .. مؤقته ؟! لأ طبعاً .. و هنا يكمن التغيير الحقيقى .. فبعد أن يكتشف قطيع الجاموس البرى أن بإمكانه الإطاحه بالأسد .. و بعد أن يكتشف الأسد أنه لا يملك فعل شىء أمام ثورة قطيع غاضب من الجاموس البرى .. بعدها سوف تختلف الأمور تماماً .. لتتملك أرواح الأسود أجساد الجاموس البرى بينما تتملك أرواح الأرانب أجساد الأسود .. و عندها .. يصبح الجاموس البرى الذى تخلص من خوفه أشبه بالأسد .. بينما يصبح الأسد الذى تملكه الخوف أشبه بالأرنب .. و عندها تعيد الطبيعه تشكيل نفسها تبعاً لأرض الواقع الفعلى .. تماماً كما حدث منذ عدة قرون سحيقه مع الكائن الأضعف على ذلك الكوكب .. الإنسان .. الذى أخضع الوحوش المفترسه و موارد الأرض الطبيعيه جميعها لسطوته ليعيد بالتدريج تشكيل موازين القوى على سطح ذلك الكوكب .. لهذا عندما حدث خلل بداخل الجنس البشرى نفسه كان طبيعياً تماماً أن تعيد الطبيعه تشكيل نفسها مره أخرى لتصبح من كنا نظنها الفئه الأضعف بين جنسنا البشرى .. ألا و هى فئة الشعوب .. هى الفئه الأقوى و الغالبه على من كنا نظنها الفئه الأقوى بين جنسنا البشرى .. ألا و هى فئة الساده الطغاه .. أصحاب الفخامه والجلاله والتناحه و الغتاته والسمو .. والمرض النفسى !
إذن .. ما هى الحكمه النهائيه المستفاده من تلك الحته الدراميه من السكريبت السماوى ؟! أن نعلم أن الخوف كالفيروس الذى لا يستطيع العيش بعيداً عن العقول .. الخوف ليس له أجنحه .. هو بحاجه دائمه إلى عقل ليستوطنه .. لهذا عندما نطرد الخوف من عقولنا .. لن يرفرف فى الهواء فوق رؤوسنا انما ينتقل الي رؤوس خصومنا  وهذا ماحدث بالفعل في 25 يناير 2011
مبروك ياوطن