ايها المصريون يجب أن تعترفوا أننا فقدنا العقل والحكمة، وأنه لم
يعد لدينا ولا بيننا رجل رشيد، يقودنا إلى الحق، ويوجهنا إلى جادة الصواب ، ويوصلنا
إلى بر الأمان ، فلا حكمة عسكرية ، ولا حصافة علمانية، ولا هوادة امنية ، ولا حلم أحنف ، ولا ذكاء إياس ، ولا عاقل مميز ، واع
حريص ، ينقذنا من مأزقنا ، ويخرجنا من ضائقتنا ، وينتشلنا من الحمأة التي وقعنا فيها.
فقد اتسع الخرق على الراقع ، وزادت الأيام
في الطين بلة ، واشتد لهيب النار ، وتصاعدت ألسنته ، لتحرق أجسادنا مع بيوتنا ، وتدمر
مستقبلنا مع ماضينا ، وتنهي وجودنا ولا تبقي على شئ يذكر بنا ، أو يحافظ على أنفسنا
وأجيالنا ، وها هي الأرض بنا تميد ، وتحت أقدامنا تتزلزل ، وكلنا نموت أو ندفن ، تبتلعنا
الأرض أو تمزقنا الانهيارات ، أو تحرق أجسادنا النيران ، فلا يبقى ما يميزنا عن بعضنا
، أو يعرفنا على من فقد منا ، فقد تشابهت الأيادي ، واستوت السوق والأقدام ، وصبغت
الأجساد كلها حمرُ الدماء .
بلدنا علي وشك ان تكون رماد وما زالت تحترق ،
وشوارعنا سادتها الشظايا وينتظرها المزيد ، وشبابنا وسط هذا تمزق حلمه وتفتت كبده ،
وما زالت أيادٍ غريبة تحركنا ، وإرادات مرعبة توجهها ، وحماقات عسكرية واضغاث
احلام تقضي علينا بين الامم ، والسياحة تغرق
وتحترق ، ومازال الجهلاء يشعلون نارها ، ولا يهمهم اشتداد أوارها ، والناس تائة حائرة
لا تعرف الطريق ، ولا تهتدي إلى سواء السبيل ، والاعلام تسوده الفوضى ، ويسكنه الخراب
، ويعم أرجاءه الاضطراب ، والاقتصاد على فوهة بركان ، يغلي في داخله كالمرجل ، وتحترق
أطرافه ويتهدد قلبه ، وتتناوش جسده السباع ، وتتربص به الذئاب ، واخلاقنا وقيمنا ضائعة مفقودة
منسية ، فلا من ينتبه لها ، ولا من يقلق على مصيرها ، والعدو ينهش لحمها، ويشرب دماءها
، ويسحق عظامها ، ويغير كيف يشاء في هيكلها ، لتكون له وحده دون غيره.
ايها المصريون ألا يوجد فيكم من يرفع الصوت عالياً
محذراً، ويصرخ منبها ، ويخرج على الملأ مناديا ، أين عقلاء الامة ، وأين حكماؤها ،
وأين الراشدون المميزون ، أين الحريصون المخلصون، أم تراهم ماتوا وقتلوا ، وها هنا
وهناك دفنوا ، فسكنت أجسادهم وسكتت ألسنتهم ، فأفسحوا المجال رحبا أمام المتشددين والمتطرفين
، وفتوا الأبواب على اتساعها لكل المارقين المفسدين ، فلا صوت يعلو فوق صوتهم ، ولا
إرادة تغلب إرادتهم ، ولا قدرة على لجم صوتهم ، وإخماد صخبهم ، وتفريق جمعهم ، وتشتيت
جهودهم ، أم ترى أن هذه البلاد ليست لنا ، وأن هذا الولد ليس ولدنا ، فلسنا أما له
، نحرص عليه ونخاف على مصيره.
أيها العقلاء هذا يومكم، وهذه معركتكم، وهذه
السوح أصبحت لكم ، اليوم نناشدكم ، ونتطلع إليكم، ونتوق إلى حكمتكم ، ألا تتنادون إلى
لقاء جامع ، وناد صادق ، يوقف حمامات الدم ، ويعطل هدير الدبابات ، ويسكت فوهات البنادق
، ويضع حداً لطبول الحرب التي تدق في كل مكان ، وينهي صيحات الثأر ، ونداءات الكره
، ويخرس أبواق التحريض وأصوات الكره
ألا تحبون أن يكون مستقبلكم وأولادكم في بلادكم
، أم تراكم نقلتم أسركم وأبناءكم إلى أماكن آمنة، وضمنتم لهم إقامةً مشروعة ، ومستقبلاً
وادعاً لا خطر فيه عليهم في بلاد أوروبية وأراضٍ أمريكية ، فلم تعودوا تهتمون بمن بقي
، ولا تأبهون بمن يموت ويحترق ، فغدا إليه تعودون وقد أصبح يبابا ، تحلق في سمائه الغربان
، وتنعق في جنباته البوم ، وتسرح فوق ترابه الهوام والسباع ، والذئاب والكلاب ، وتزحف
فيه الأفاعي والعقارب.
ويل لنا جميعا من يوم قد اقترب ، ويل لنا من مصير
مرتقب ، ونهاية محتومة تقترب ، وخاتمة وخيمة سطورها الأخيرة تكتب ، وشر قادم لا شك
فيه ولا ريب ، وحينها سنصرخ ونقول ، ونندم ونتحسر ، ولكن ولات حين مناص.
منقول من هنا وهناك للتذكرة